سورة هود - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (24)}
قوله تعالى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ} ابتداء، والخبر {كَالْأَعْمى} وما بعده. قال الأخفش: أي كمثل الأعمى. النحاس: التقدير مثل فريق الكافر كالأعمى والأصم، ومثل فريق المؤمن كالسميع والبصير، ولهذا قال: {هَلْ يَسْتَوِيانِ} فرد إلى الفريقين وهما اثنان، روى معناه عن قتادة وغيره. قال الضحاك: الأعمى والأصم مثل للكافر، والسميع والبصير مثل للمؤمن.
وقيل: المعنى هل يستوي الأعمى والبصير، وهل يستوي الأصم والسميع. {مَثَلًا} منصوب على التمييز. {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} في الوصفين وتنظرون.


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ} ذكر سبحانه قصص الأنبياء عليهم السلام للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنبيها له على ملازمة الصبر على أذى الكفار إلى أن يكفيه الله أمرهم. {إِنِّي} أي فقال: إني، لأن في الإرسال معنى القول. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي {أني} بفتح الهمزة، أي أرسلناه بأني لكم نذير مبين. ولم يقل {إنه} لأنه رجع من الغيبة إلى خطاب نوح لقومه، كما قال: {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [الأعراف: 145] ثم قال: {فَخُذْها بِقُوَّةٍ} [الأعراف 145]. قوله تعالى: {أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} أي اتركوا الأصنام فلا تعبدوها، وأطيعوا الله وحده. ومن قرأ {إِنِّي} بالكسر جعله معترضا في الكلام، والمعنى أرسلناه بألا تعبدوا إلا الله. {إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ}.


{فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (27)}
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَقالَ الْمَلَأُ} قال أبو إسحاق الزجاج: الملأ الرؤساء، أي هم مليئون بما يقولون. وقد تقدم هذا في البقرة وغيرها. {ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً}
أي آدميا. {مِثْلَنا} نصب على الحال. و{مِثْلَنا} مضاف إلى معرفة وهو نكرة يقدر فيه التنوين، كما قال الشاعر:
يا رب مثلك في النساء غريرة ***
الثانية: قوله تعالى: {وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا} أراذل جمع أرذل وأرذل جمع رذل، مثل كلب وأكلب وأكالب.
وقيل: والأراذل جمع الأرذل، كأساود جمع الأسود من الحيات. والرذل النذل، أرادوا اتبعك أخساؤنا وسقطنا وسفلتنا. قال الزجاج: نسبوهم إلى الحياكة، ولم يعلموا أن الصناعات لا أثر لها في الديانة. قال النحاس: الأراذل هم الفقراء، والذين لأحسب لهم، والخسيسو الصناعات.
وفي الحديث«أنهم كانوا حاكة وحجامين». وكان هذا جهلا منهم، لأنهم عابوا نبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما لا عيب فيه، لأن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، إنما عليهم أن يأتوا بالبراهين والآيات، وليس عليهم تغيير الصور والهيئات، وهم يرسلون إلى الناس جميعا، فإذا أسلم منهم الدنيء لم يلحقهم من ذلك نقصان، لأن عليهم أن يقبلوا إسلام كل من أسلم منهم. قلت: الأراذل هنا هم الفقراء والضعفاء، كما قال هرقل لأبي سفيان: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فقال: بل ضعفاؤهم، فقال: هم أتباع الرسل. قال علماؤنا: إنما كان ذلك لاستيلاء الرياسة على الأشراف، وصعوبة الانفكاك عنها، والأنفة من الانقياد للغير، والفقير خلي عن تلك الموانع، فهو سريع إلى الإجابة والانقياد. وهذا غالب أحوال أهل الدنيا.
الثالثة: اختلف العلماء في تعيين السفلة على أقوال، فذكر ابن المبارك عن سفيان أن السفلة هم الذين يتقلسون، ويأتون أبواب القضاة والسلاطين يطلبون الشهادات.
وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: السفلة الذين يأكلون الدنيا بدينهم، قيل له: فمن سفلة السفلة؟ قال: الذي يصلح دنيا غيره بفساد دينه. وسيل علي رضي الله عنه عن السفلة فقال: الذين إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يعرفوا. وقيل لمالك بن أنس رضي الله عنه: من السفلة؟ قال: الذي يسب الصحابة. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: الأرذلون الحاكة والحجامون. يحيى بن أكثم: الدباغ والكناس إذا كان من غير العرب.
الرابعة: إذا قالت المرأة لزوجها: يا سفلة، فقال: إن كنت منهم فأنت طالق، فحكى النقاش أن رجلا جاء إلى الترمذي فقال: إن امرأتي قالت لي يا سفلة، فقلت: إن كنت سفلة فأنت طالق، قال الترمذي: ما صناعتك؟ قال: سماك، قال: سفلة والله، سفلة والله سفلة. قلت: وعلى ما ذكره ابن المبارك عن سفيان لا تطلق، وكذلك على قول مالك، وابن الأعرابي لا يلزمه شي. قوله تعالى: {بادِيَ الرَّأْيِ}. أي الرأى، وباطنهم على خلاف ذلك. يقال: بدا يبدو إذا ظهر، كما قال:
فاليوم حين بدون للنظار ***
ويقال للبرية بادية لظهورها. وبدا لي أن أفعل كذا، أي ظهر لي رأى غير الأول.
وقال الأزهري: معناه فيما يبدو لنا من الرأي. ويجوز أن يكون {بادِيَ الرَّأْيِ} من بدأ يبدأ وحذف الهمزة. وحقق أبو عمرو الهمزة فقرأ: {بادئ الرأي} أي أول الرأي، أي اتبعوك حين ابتدءوا ينظرون، ولو أمعنوا النظر والفكر لم يتبعوك، ولا يختلف المعنى هاهنا بالهمز وترك الهمز. وانتصب على حذف {في} كما قال عز وجل: {وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155]. {وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ} أي في اتباعه، وهذا جحد منهم لنبوته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ} الخطاب لنوح ومن آمن معه.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9